قال رئيس المجلس القضائي، القاضي محمد الغزو، إنَّ 40 عاماً من العمل بقطاع العدالة الاردني وصل بها إلى حقيقة ثابتة ومطلقة، وهي ان القاضي هو من يصنع الاستقلال لنفسه ويحميه بذلك الدستور والقانون منذ مئة عام، ما يحقق العدالة في إجراءات المحاكمة وإصدار الأحكام.
وأضاف في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، اليوم الأربعاء، إنَّ جملة من القوانين والتَّشريعات الأردنية صدرت وتعدلت خلال مئة عام وعززت استقلال القضاء الأردني، واسهمت بتحديثه وتطويره، وعكست الاهتمام الملكي بسيادة القانون، ومنح النَّاس حقوقها بعدالة دون تدخل أو ضغط من أحد، مبينا أنَّ عهد جلالة الملك شهد العديد من المحطات التي اسهمت بتطوير القضاء وتعزيز استقلاله.
ولفت إلى أن طبيعة النظام القانوني في المملكة يعتمد على عدة درجات للتقاضي، وصولا الى حكم مكتسب الدرجة القطعية ، ما يعزز من مستوى ثقة المجتمع بالقضاء، فالحكم يصدر من محكمة الدرجة الاولى ثم يُنظر به من قِبل محاكم الاستئناف كدرجة ثانية، ثم يُطعن به أمام محكمة التمييز التي تنظر الطعون كمحكمة قانون.
وبين أنَّ اول دستور للأردن صدر عام 1928 ونص على استقلال القضاء في المادة 45 التي جاء فيها، أنَّ جميع المحاكم مَصُوْنَةٌ من التدخل في شؤونها، وجاء دستور عام 1947، لينص في المادتين 55 و 58 على أنَّ المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها، وحدَّد دستور عام 1952 أن القضاء هو أحد سلطات الدَّولة الثَّلاث.
ولفت إلى أنَّ المادة 27 من دستور عام 1952، بينت أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم، وفي المادة 97 نصَّت على أنَّ القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في أحكامهم لغير القانون.
وقال الغزو إنَّ التعديلات الدستورية التي تمَّت عام 2011 في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، جاءت لتعزز وتكرِّس مبدأ استقلال القضاء من خلال إضافة أحكام جديدة، منها ما جاء في المادة رقم 27، والتي جاء فيها إنَّ السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك، فيما أنشئت بموجب المادة 58 محكمة دستورية تختص بالرِّقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وأنشئ القضاء الإداري على درجتين بموجب المادة 100.
وأشار إلى صدور عدة تشريعات أخرى كرست مبدأ استقلال القضاء كان من ابرزها قانون استقلال القضاء لسنة 2014 وتعديلاته، وأصبح المجلس القضائي بموجبه يتولى النَّظر في جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين بما في ذلك تعيينهم والذي كان يجري بتنسيب من وزير العدل، كما اصبح للمجلس موازنة مالية مستقلة عام 2017 بعد أن كانت ضمن وزارة العدل، وربط المعهد القضائي برئيس المجلس بموجب تعديلات عام 2019.
وقال إنَّ أول مجلس قضائي في عهد المملكة تمَّ تشكيله كان عام 1952 بموجب المادة 19 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952، وكان يُشكَّل في وزارة العدلية ويتألف من رئيس محكمة التمييز وعضوية كل من وكيل وزارة العدلية ورئيس محكمة استئناف عمان ورئيس محكمة استئناف القدس ورئيس النيابة العامة.
ونوه إلى أنَّ عدد القضاة الذين تم تعيينهم بين عامي 1935 - 1959 بلغ 36 قاضيا، وبين عامي1960 - 1979 بلغ عدد القضاة 151، و106 قضاة للأعوام من 1980- 1989 ، و255 قاضيًا للأعوام من 1990 - 1999 ، منهم 6 إناث، و539 قاضيًا للأعوام من العام 2000- 2009، بينهم 42 قاضية، و459 قاضيا للأعوام من 2010 - 2020 بينهم 217 قاضية، ليصل عدد القضاة الحالي إلى 974 قاضيا بينهم 259 قاضية.
وأكد الغزو انَّ المحاكم التي تتبع القضاء النظامي في المملكة في الوقت الحاضر، هي محكمة التمييز، والإدارية العليا، والإدارية واستئناف عمان واربد ومعان، ومحكمتا استئناف ضريبة الدخل والجمارك، والجنايات الكبرى، و16 محكمة بداية و38 محكمة صلح موزعة على جميع أقاليم المملكة، إضافة الى دوائر النيابة العامة ومحاكم الاحداث والبلديات وأمانة عمَّان الكبرى.
ولفت إلى أنَّ عمل النيابة العامة أيضا تطور بشكل كبير، فبعد ان كان هناك نائب عام في عمان اصبحت النيابة العامة يرأسها رئيس النيابات العامة لدى محكمة التمييز، ويتبع له الآن عدة نواب عامون لمحاكم استئناف عمان واربد ومعان إضافة إلى نائب عام محكمة الجنايات الكبرى ويتبع لهم عدد من المدَّعين العامين.
وأوضح أنَّ أول نظام يتعلق بالتفتيش القضائي على أعمال المحاكم صدر في عهد الإمارة عام 1932 والمنشور على العدد 442 من الجريدة الرسمية رقم 336 تاريخ 16 تشرين الأول عام 1932، وكان يسمى بنظام "في أصول المحاكم –التفتيش القضائي"، وكان المفتش يعين من قبل وزير العدلية بشكل دائم للقيام بالتفتيش على جميع محاكم شرق الأردن، والتحقيق في أيِّ شكوى تُقدَّم من الجمهور في شأن "سلوك المستخدمين القضائيين او الموظفين او سلوك المحامين وأن يقدِّم تقريراً بذلك".
وقال إنَّ التفتيش القضائي بقي تابعا لوزارة العدل حتى عام 2014، حيث صدر قانون استقلال القضاء والذي اتبع جهاز التفتيش القضائي للمجلس القضائي، وفي عام 2015 صدر نظام التفتيش القضائي على المحاكم النظامية وتعديلاته الحالي رقم 43 لسنة 2015 وتعديلاته والساري المفعول حتى اليوم.
وأشار إلى أنّ من ضمن محطات الاهتمام الملكي بالجهاز القضائي، تشكيل اللجنة الملكية الاولى لتطوير القضاء عام 2000 والتي أخذت على عاتقها رصد المعيقات والتحديات التي تواجه القضاء؛ لتحقيق أقصى حدود العدالة الناجزة وضمن الإمكانات المتاحة، وقد اثمر عن تشكيل هذه اللجنة العديد من النتائج، من أبرزها زيادة عدد القضاة واستخدام الطباعة بواسطة الحاسوب في محاضر الجلسات بدلا من التدوين بخط اليد، والبدء بتطبيق قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية لسنة 2003 ونظام ادارة الدعوى في تعديلات قانون اصول المحاكمات المدنية لعام 2002 ، اضافة الى تأهيل القضاة على أسس علمية واكاديمية من خلال ابتعاث بعضهم للدراسات العليا ولدورات متخصصة داخل المملكة وخارجها.
وبين أنَّ الدَّعم الملكي استمر للجهاز القضائي واولاه كل رعاية واهتمام، حيث تبلورت رؤية جلالته في الورقة النقاشية السادسة التي كتبها في 16 من تشرين الأول عام 2016 بعنوان " سيادة القانون اساس الدولة المدنية"، وركزت على وجوب ترسيخ مبدأ سيادة القانون من خلال جهاز قضائي مستقل ونزيه وعادل، ينصف المواطن ويمكنه من الحصول على حقوقه من خلال اجراءات قضائية تحقق مبدأ العدالة الناجزة لضمان تسريع اجراءات التقاضي وتحسين مخرجاته من حيث جودة الاحكام القضائية، لترسيخ النزاهة في الجهاز القضائي وتوفير بيئة قانونية جاذبة للاستثمار.
واوضح انه اثر الورقة النقاشية السادسة شكلت اللجنة الملكية الثانية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، في 18من تشرين الأول عام 2016؛ لتعمل على ترجمة الرؤى الملكية السامية من خلال تشخيص الواقع الفعلي والراهن للجهاز القضائي، ووضع استراتيجية شاملة لتطويره، وتعزيز سيادة القانون، ومعالجة التحديات الراهنة من خلال خطة تنفيذية قابلة للتطبيق ضمن أطر زمنية محددة.
وأكد أنَّه تم البدء بتطبيق الخطة التنفيذية، حيث تم انجاز نحو 85 بالمئة من التوصيات الواردة به، ويجري العمل الآن على إنجاز ما تبقى من تلك التوصيات بمتابعة حثيثة من جلالة الملك وبجهود أعضاء الجهاز القضائي وبدعم مستمر من وزارة العدل الشريك الاستراتيجي والذراع التنفيذي لعمل الجهاز القضائي.
وأكد انَّه وقبل عام 2000 كان العمل القضائي يعتمد بشكل كلي على تحرير محاضر جلسات المحاكمة بخط اليد وكانت الأوراق القضائية ايضا تدون بخط يد الكاتب، مع استخدام الالة الطابعة اليدوية في طباعة بعض الأحكام القضائية وبعض المراسلات الخطية،لافتا الى ان العمل تطور بعد ذلك بشكل تدريجي، حيث بدأت بعض المحاكم عام 2001 باستخدام أجهزة الحاسوب لاعداد وطباعة محاضر الجلسات دون استخدام الانترنت. وأشار إلى أنَّه في آواخر 2003 تبنت وزارة العدل فكرة حوسبة إجراءات عمل المحاكم، وبدأ تطبيق أولى هذه المحاولات عام 2004 في قصر العدل بعمان، وخلال عام 2005 تم إعداد الصيغة الأولية من نظام" ميزان/1" وهو نظام إلكتروني لإدارة سير الدعاوى ومتابعة جميع الإجراءات المتعلقة بالدعوى،لافتا إلى أنّه في العامين 2006 - 2007 تم تطبيق هذا النظام في معظم محاكم المملكة، وتعمل الان جميع المحاكم على برنامج"ميزان/ 2"وهو برنامج متطور يوفر معظم الاحتياجات للعمل القضائي من جهة الحوسبة وارشفة المحاضر ومبرزات الدعوى.
وأكد الغزو أنَه ّ تم إنشاء مشروع المحاكمة عن بُعد،الذي يقوم على تركيب شاشات في قاعات المحاكمات ومراكز الإصلاح باستخدام التقنية عن بعد، في عقد تلك الجلسات، وبدأ تفعيله عام 2019 وعقدت المحاكم على اثره ما يزيد عن 7 آلاف محاكمة عن بعد خلال العامين 2019 - 2020 ، ما أدَّى الى خفض تكاليف نقل الموقوفين من مراكز الإصلاح الى المحاكم، واسهم بالحد من الاختلاط في ظل جائحة كورونا.
وأكد أنَّ منظومة العدالة الجزائية قد تم تطويرها من خلال تشريعات مستحدثة كبدائل التوقيف والعقوبات المجتمعية التي من شأنها تجنيب المشتكى عليه الآثار السلبية الناتجة عن الإيداع في مراكز الاصلاح والتأهيل والاختلاط بالمجرمين وان يبقى قريباً من اسرته وعدم فقدان عمله والتقليل من نفقات مراكز الاصلاح والتأهيل وتجنب اكتظاظها.
وتشير وثائق المجلس القضائي إلى أنَّ القوانين العثمانية هي النافذة في بدايات تأسيس الامارة، وكان السند القانوني في ذلك نص المادة 58 من القانون الاساسي عام 1928 ، والتي ابقت القوانين العثمانية المنشورة في بداية تشرين الثاني 1914، او قبل ذلك والقوانين العثمانية التي نشرت بعد ذلك التاريخ نافذة المفعول بقدر ما تسمح بذلك الأحوال الى ان تلغى او تعدل بتشريع اخر.
وبقي قانون الجزاء العثماني لسنة 1858 نافذاً الى ان الغي بموجب قانون العقوبات لسنة 1951، كما أن مجلة الأحكام العدلية لسنة 1876 التي كانت بمثابة القانون المدني المعمول به لغاية عام 1976 عندما صدر القانون المدني الذي الغى العمل بما يتعارض مع احكامه من المجلة.
وكان قانون احكام الصلح العثماني لسنة 1911 هو الناظم لعمل محاكم الصلح واختصاصاتها ثم صدر ذيل لقانون حكام الصلح عام 1927 ثم صدر بعد ذلك قانون حكام الصلح رقم 32 لسنة 1946 ثم قانون محاكم الصلح رقم 77 لسنة 1951 وبعد ذلك صدرت عدة قوانين لمحاكم الصلح في الأعوام 1966 و1971، الى ان وصل الى صيغته الحالية بموجب القانون الذي صدر عام 2017. وتشكلت محاكم العشائر بموجب قانون محاكم العشائر لسنة 1924 حيث كانت تؤلف محكمة العشائر من ثلاثة قضاة احدهم الحاكم الاداري للمقاطعة بصفته رئيسا لها او من ينوب عنه من قضاة المحاكم النظامية أو مدعي عموميها أو قاضي الشرع واثنين من مشايخ عشائر المقاطعة.
وأنشئت بعد ذلك محكمة الاستئناف العشائرية بموجب قانون تأسيس محكمة الاستئناف العشائرية لسنة 1936، وفي عام 1976 وإثر الغاء القوانين العشائرية تم انشاء محكمة الجنايات الكبرى والتي تختص بالنظر في جرائم القتل القصد والعمد وجرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي والشروع في تلك الجرائم.
وصدر أول قانون لتشكيلات المحاكم في عهد الإمارة عام 1922، وصدر كذلك في عام 1926 نظام يعرف باسم نظامات عامة لحكومة شرق الاردن "الموظفون" لسنة 1926.
وصدر قانون آخر لتشكيلات المحاكم في عهد الإمارة عام 1928 وقانون آخر في عام 1929 والذي نص على إنشاء محكمة استئناف تؤلف من ثلاثة قضاة على الأقل، وتنعقد في عمان او في أي محل آخر قد يعينه وزير العدلية.
وصدر قانون تشكيلات المحاكم عام 1946 الذي حدد دوائر اختصاص المحاكم الصلحية التي كان عددها 10 محاكم في كل من عمان والزرقاء والسلط ومادبا واربد وجرش والكرك والطفيلة ومعان وعجلون، وحدد دوائر اختصاص محاكم البداية التي كان عددها 4 وهي محاكم عمان والسلط واربد والكرك.
وتم تشكيل محكمة التمييز بناء على قانون تشكيل المحاكم لسنة 1951 الذي نص على أن تتألف من رئيس وستة أعضاء على الأقل وتنعقد بصفتيها الحقوقية والجزائية وتنعقد كذلك كمحكمة عدل عليا من رئيس وقاضيين. وتشكلت محاكم الصلح في كل لواء وقضاء او اي مكان آخر، وفقا لما يقرره وزير العدلية من آن الى آخر بنظام يضعه بموافقة جلالة الملك، وأما عن محاكم البداية فقد جاء النص على تشكيلها في الالوية التي يعينها وزير العدلية.
وبموجب القانون ذاته تم تشكيل محكمتي استئناف أحدهما في عمان والاخرى في القدس، وتشكيل هيئة النيابة العامة من رئيس النيابة العامة ومساعديه امام محكمة التمييز ونائب عام ومساعديه لدى كل محكمة استئناف ومدعي عام لدى كل محكمة بدائية.
وبقيت محكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا تنظر في الطعون المقدمة الغاء القرارات الادارية حتى العام 1989، ثم انشئت بعد ذلك محكمة العدل العليا بموجب قانون محكمة العدل العليا رقم 11 لسنة 1989 ومقرها عمان وتشكل من رئيس وعدد من الأعضاء القضاة بقدر الحاجة.
وبموجب القانون المعدل لقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 12 لسنة 2019 تم تعيين قاض باسم النائب العام لدى كل من محكمة الاستئناف الضريبية ومحكمة الجمارك الاستئنافية يمارس جميع الصلاحيات المعينة له، كما تم تعيين لدى كل من محكمة البداية الضريبية ومحكمة الجمارك البدائية، قاض أو أكثر باسم المدعي العام ، يمارس الصلاحيات المعينة له في قانون أصول المحاكمات الجزائية وصلاحيات الوكيل العام في قانون إدارة قضايا الدولة وغيرهما من القوانين.